على الرغمِ انني اكتبُ في اماكنَ اخرى ولم امتَنِع عن الكتابةِ كما اعتقَدت لكنني، لا تزالُ تعتريني رهبةٌ من أن اكتُبَ هُنا، وعلى جُلِّ علمي بأنَّ ما اكتُبُه من قطعٍ مقسمةٍ باللهجةِ العامةِ يَصلُ الى روحي بسرعةٍ اكبر، واتصلُ بهِ مع كُلِّ مَن حولي دونَ ان اشعُرَ بانني بعيدةٌ جداً عن التفصيلةِ الحقيقيةِ لحياةِ الانسانِ لكنني اردتُ ان اكتُبَ خربشاتٍ ربما قد تكون طويلة، ذلك فقط لانني أشعرُ بحاجةِ طباشيري ان تُخَربِش على فضاءٍ ما وحاجةِ اظافري ان تخَرمش شيئاً اذ مرَّ زمنٌ طويلٌ منذُ اخرِ مرةٍ خرمشتُ باظافري هنا وشعرت ان الامر يزعجني ،إذ كيف مرت كل هذه المدةِ دون ان اعطي الصفحات بضع خرمشاتٍ وخربشاتٍ وربما بعدها ضمادةَ جروح! وقد لا تكفي الضمادةُ لاخفاءِ الاثرِ.. ولكنني لم ارد ان يخفى الاثر مطلقاً..
كنت افكر دائما كيف يمكنُ للانسان ان يعتبر نفسه منعزلاً عن العالم لكي يقرأ كتبهُ ويشرب قهوتهُ بعيداً عن خشونةِ ضوضاءهم في حينِ انه يلجأ الى كتبٍ كتبها بشرٌ من العالم وطبعها اخرون واتفقَ معها واختلفَ اخرون وقام بشرائِها (عالمٌ اخرون ) ،اما عن القهوةِ!فقد تلامستْ بأيدي احدهم خلال صُنعها و طحنها جمعٌ من الناس والتمس رائحتها اخرون فالقهوةُ هي ايضاً نوعٌ من التلامس الانساني بعيداً عن كونِها من التلامس الكوني. لذلك حينَ نقررُ نحن أن نعتزل العالمَ بحزمٍ فاننا في الحقيقةِ لا نعتزلُ بل نختلي، نحن نمضي الى الاختلاء بخلوةِ احدهم ، الخلوةُ التي رسمت لاحدهم طريقاً داخِل نفسه استطاع ان يصل في نهايته لإنتاجٍ معين نبعَ من مسالِك نفسه . وحين يختلي الانسان فانه لا ينفصلُ عن البشر بل قد تكون تلك اول مرةٍ يرتبطُ فيها بهم كونها المرةُ الأولى التي ارتبطَ فيها بشقائقِ نفسه ، ويبدو ان تركيزنا بدأ يقاسُ بالملعقة (مالت الچاي) لاننا ما عُدنا نَختلِي.
وخلالَ بضعةِ ايامٍ اخرى فكرتُ في احتمالِ ان تمر علي اختي الصغيره لتلقي التحيةَ ،وقد فعلت ذلك حقاً يا لها من كوكب مليء بصفاءٍ واضح وهي دائمةُ التساؤلِ عن الحياةِ تماماً ككل الشبابِ الصغارِ الاخرين .وإن طرحَت علي يوماً سؤالَ المثقفينَ المعتاد (ما هو الشخص المثقف اختاه؟! ) ،اظنني قد اخبرُها انني لم اؤمن قطُ بالمثقفين بقدر ايماني بالمتعلمين فلا وجود للمثقفين في حياتي ،بِماذا أقيسُ الثقافةَ بالكتب ام بالتعامل الظاهري او بالروحِ الداخلية؟ أقيسها بتسريحةِ الشعرِ او زاويةِ ربطةِ العنق، وعلى الرغم ان للاموال مكانها ،اهي كافيةٌ لتجعل الشخصَ مثقفاً؛ ام هل يمكنُ ان تقاسَ الثقافةُ بشريطِ قياسٍ او ما شابهَ ذلك ،وعلى الرغم باننا نقومُ باشياءَ ثقافيةٍ محددة فان كميةَ التناقضاتِ التي يحملها الانسان داخله تجعلُ من لفظةِ “مثقف” حملاً ثقيلاً لا حقيقياً يحومُ حولَ المرء (ابشرك ماكو مثقفين) ، لكنني اؤمن بالمتعلمين اولئك الذين يحاولون فيخطئون فيتعلمون، ومن هذا التعلم الجاد والتداوي بالحياةِ والاعتذار حين الخطأ و الاخذِ بعينِ الاعتبار والمرور بالفشل الظاهري والتعلم الباطن واغتنام الفرص وهذا وذاك وهذا …يعتمد هؤلاء على حكايةِ الانسان وما ترتكز عليه نقاطُ وجودهِ ونستمر بهذا وذاك …الى اخره .و هذا ما يجعل الانسان (متعلماً) وواضحاً للوجود.
وبعدَ اسابيع طويلةٍ كم يخافُ الانسانُ احياناً ان يطلق لنفسه العنان ،فان بدأ الانسان بارسالِ طيورهِ لتمضي خلال الحياةِ قد يعتريه خوفٌ داخليٌ ،داخلي لدرجةِ انه لا يُرى الا من خلالِ الناسِ ذاتهم .وأينَ الرحيلُ اذا ما غادرت الطيورُ واينَ المسار؟ ومن ذا الذي وماذا هناك ؟ .خوفٌ يليهِ خوفٌ تليهِ سكينةٌ؛ خوف من مجهولِ ال(لا) اعتياد . ينتابنا خوفٌ من ان نقَع باحضانِ الحياةِ و يبدو اننا نخاف حتى من العيش، فلماذا نخاف العيش حتى ؟ و سندرك للمرةِ الاولى كم هي الحياةُ ضخمةٌ ومهيبة وان مضينا باتجاهها فاننا نخاف مما قد تكون وما قد تبدو؛ استشرقُ الشمسُ اليوم ،وما هي دورةُ القمر ؟ وهل امتلأت حساباتُنا بالرسائلِ؟ وهل لاحظَ احدهم وجودنا حتى ؟ وهل تعرف الشجرةُ التي في الجوارِ ،اننا نمضي على ضفاف الحياة؟ (قبل كل شيء الاشجار تعرف كل شيء) .وفي باطنِ الامرِ لا ارى في هذا الخوف علامةً على الخطأ بل اضنه من دلائلِ وجودِ الحياة .
يحملُ كل نسرٍ في هذا العالم حكمةً كبيرةً اكتسبها من حركتِه المستمرةِ خلال الحياةِ بلا توقف ،وخلال هذه الحركة يشاهد النسر رواسيَ و اعناباً ،وانساً وربما جاناً ،وصغاراً يبكون واخرون يلعبون ،وكباراً يبكون واخرون يضحكون ؛ حتى ترتسم خارطةٌ للحياةِ يراها كلما فتح جناحيهِ، وهذا سبيل معرفته ؛من خلال الحركه .وكل ذلك على عكس الاشجارِ مثلاً فالشجرُ كلما ازداد بضخامتهِ المعهودة فانه يزداد تجذراً في الارضِ ولا يتحرك . وعلى الرُغم ان جذوره تسير في باطنِ الأرضِ لتكشفَ مخابئها ،و لكن جزئه الظاهر لا يتحرك بل يبقى مكانه ساكناً وهو يستلهم حكمةً من كل ما يراقبه خلال الحياةِ ، ولا اظن ان للاشجار منافساً في الحكمةِ .ولو حكيتُ لك عن ابن عربيٍ بفيضِ حكمةٍ كانت تملأهُ ، لعلمت انه امضى حكايتهُ كالنسور يستلمُ الحكمةَ بسيرهِ بفيض الارضِ، بالوانها واعراقها واختلاف انماط اشجارها (وهي تشاهده ) لكي يصل الى ادراكٍ ينبع منُ روح ،وحكمةٍ تسكَبُ على ورقهِ ، فكان لحركته حكمة.
أمّا جلال ُ الدين الرومي ، فكان كالشجرِ ثابتاً مستقراً يرى الارضَ تدورُ حوله وهو في مكانه فيستلهم حكمةً انزل لها جذوراً من اعماقِ روحه لتصل اليها ، وهو يداوي بهذه الحكمةِ ما يسير في الارضِ وهو على ارض مكانه !. فالحكمةُ لا تُختصرُ بكلمةٍ او تختزلُ بنمطٍ ،سواءُ كان نمطاً ثابتاً ام متحركاً ،عائماً ام طائراً ،وصلت جذوره المياهَ ام سقاه ماءٌ من السماء ، كل هذا لا يهم. ما يهم في استلهام الحكمة هو شيء تتشارك فيه الانماط كلها كانها بتلات ورد ، سواء كانت الحكمةُ نسراً طائراً او شجرةً ثابتةً، او ابنَ عربيٍ سائرٍ او جلال دينِ روميٍ ثابت ، تُستَلهم الحكمةُ في (استبصارٍ ثاقب يملأه السكون ) فلو نظرنا لها جميعاً لرأيناها تراقبُ الكون بهدوءٍ لتدرُسه ؛ فالهدوء في دراسه الكون اساس لفهم الكون ، ولو كنت على حركة، ولا يعني الثباتُ هدوءاً، وقد يكون ، انتهى.
_____________________________________
إلى لقاءٍ آخر( كلش من زمان عن هالعبارة).
ينتابنا خوفٌ من ان نقَع باحضانِ الحياةِ و يبدو اننا نخاف حتى "من العيش
هذا كان كل تفكيري بفترةٍ ما .. الخوف من الحياة الخوف من خطأ الخوف من التجربة لدرجة صرت اشوف نفسي شخصية ثانوية بقصة حياتي بسبب عدم رغبتي بخوض تجارب جديدة او لقاء ناس ثانيين.. صرت اتمنى اجرب وحتى لو تجربة فاشلة او تجربة مؤلمة عادي المهم عشتها..
قريت مرة انه الانسان وهو يغمض جفونه بلحظاته الاخيرة بالدنيا، ما يتندم على الاشياء اللي سواها بكثر ندمه على اللي ما سواه وضاع من عنده